السبت، 16 أبريل 2016

الفلسفة الاسلاميه والحكمة

الفلسفة الاسلاميه والحكمة:
ما سبق من حديث يدور عن الدلالة الضيقة لمصطلح الفلسفة الاسلاميه،اى الإنتاج الفكري للكندي والفارابي وابن سينا في المشرق وابن ماجه وابن طفيل وابن رشد في المغرب، والفلسفة الاسلاميه طبقا لهذه الدلالة هي فلسفه الحضارة الاسلاميه . أما الدلالة الواسعة لمصطلح الفلسفة الإسلامية فتمتد ليشمل علوم كأصول الدين (علم الكلام) وأصول الفقه وأصول التفسير… إذ مصطلح الأصول في الفكر الإسلامي يقارب في المعنى مصطلح فلسفة في الفكر الغربي (إذ كلاهما يتضمن صفتي الكلية والتجريد)،وغيرها من المعارف الاسلاميه.
ومصطلح الحكمة إذ يقارب الدلالة الواسعة لمصطلح الفلسفة الاسلاميه، فان دلالته الضيقة تمثل احد انماط الحكمة لا كل أنماطها كما كان يرى بعض المستشرقين.لكن الحكمه تتحقق على أكمل وجه ممكن لها من خلال الموقف النقدى منها.
علم اصول التفسير و فلسفه مناهج معرفه دلالات ألفاظ القران الكريم:
تعريف التفسير: التفسير لغة صيغة تفعيل من الفعل (فسر) وهو البيان، يقال فسرت الشيء إذا بينته.أما التفسير اصطلاحا فهو: العلم أو المعرفة بدلالات(معاني) ألفاظ القران الكريم. هذا المعنى الاصطلاحي للتفسير نجده في تعريفات العلماء لعلم التفسير، يقول الإمام الزركشي في كتابه البرهان: علم يبحث فيه عن أحوال القرآن المجيد من حيث دلالتُه على مراد الله تعالى بقدر الطاقة البشرية.ويقول صديق بن حسين القنوّجي في كتابه أبجد العلوم : هو علم باحث عن معنى نظم القرآن بحسب الطاقة البشرية وبحسب ما تقتضيه اللغة العربية.أما علم أصول التفسير فهو مجموعة من القواعد التي تحدد مناهج( طرق) معرفه دلالات(معاني) ألفاظ القران الكريم.
وطبقا للتعريفات السابقة فانه إذا كان القران الكريم وضع الهي مطلق عن قيود الزمان والمكان(غير الخاضع للتطور أو التغير فيهما) ، فان التفسير (وأصوله) هما اجتهاد انسانى محدود بالزمان والمكان ،وبالتالي خاضع للتطور خلال الزمان والتغير في المكان، لذا كان تعدد التفاسير (ومذاهب علم أصول التفسير) بتعدد المناهج ونظريات المعرفة التي يستند إليها التفسير المعين (والمذهب المعين في علم أصول التفسير).ففي إطار أهل السنة هنالك التفسير الأشعري كما في” التفسير الكبير” للفخر الرازي، وهناك التفسير الحنبلي كما في “تفسير القرآن العظيم” لأبن كثير، وهنالك التفسير الصوفي كما في “لباب التأويل في معاني التنزيل” للخازن . وخارج إطار أهل السنة هناك التفسير ألمعتزلي كما في” الكشاف للفخر الرازي، وهنالك التفسير الشيعي كما في “البيان” للطبري…
ولا يترتب على ذلك أن تفسير القران في عصرنا يعنى إلغاء كل التفاسير(و كل الاجتهادات في مجال علم أصول التفسير ) التي وضعت في العصور السابقة ، بل التمييز بين ما هو محكم (أصل) وما هو متشابه(فرع)، ففي الحالة الأولى يجب التزام ما اتفق عليه السلف وعلماء أهل السنة في مجال التفسير (وأصوله) مع مراعاة أن مصدر الإلزام هنا النص المحكم(الأصل)لا اتفاقهم على تفسير معين( أو قواعد معينه في علم أصول التفسير)،أما في الحالة الثانية فانه ينبغي اتخاذ اجتهادات السلف وعلماء أهل السنة على اختلاف مذاهبهم(حنابلة، أشاعره، ماتريديه ، طحاويه،أهل الظاهر) في مجال التفسير (و أصوله) نقطه بداية لا نقطه نهاية.
الاهتداء كغاية للنص القرانى:وهنا نوضح أن اهتداء الناس إلي ما فيه صالحهم في كل زمان ومكان كغاية للنص القرانى وتفسيره، استنادا إلي الاستخلاف كفلسفةاسلاميه ومنهج و نظرية معرفة.
فطبقا لفلسفة الاستخلاف ومفاهيمها الثلاث (التوحيد، الاستخلاف، التسخير) ينطلق التفسير من أن الهداية صفة ربوبية أي ان مضمونها دال علي الفعل المطلق الذي ينفرد به الله تعالي:”كلا ان معي ربي سيهدين “(الشعراء :162) “الذي خلقني فهو يهدين”.وعالم الشهادة قائم علي ظهور صفة الهداية (شأن سائر الصفات الالهيه). ولهذا الظهور شكلان:
تكويني (الهداية التكوينية): ويتمثل في الفطرة من حيث هي إمكانية التزام السنن الإلهية التي تحكم الوجود الهادي والتي يجب علي الإنسان الخضوع لها ليهتدي إلي ما فيه صلاحه،”وهو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها في الظلمات والبر والبحر “(الإنعام : 97)”والقي في الأرض رواسي ان تميد بكم وانهارا وسبلا لعلكم تهتدون” (النحل : 15).
تكليفي (الهداية التكلفية):ويتمثل في الوحي من حيث تضمنه للشرائع المتضمنة لأصول اللازمة لهداية الناس في كل زمان ومكان: “يريد الله ليبين لكم سنن الذين من قبلكم” (النساء: 26 ).”وإذ آتينا موسى الكتاب والفرقان لعلكم تهتدون”( البقرة: 53).والاستخلاف هو إظهار الإنسان لربوبيه الله تعالى وألوهيته في الأرض على المستوى الصفاتى ، وبالتالي فإن مضمونه هنا إظهار الإنسان لصفة الهداية كصفه من صفات الربوبيه في الأرض وهو ما عبر عنه القرآن بالاهتداء:”من اهتدى فإنما يهدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل لنفسه”( يونس: 108).هذا الإظهار يتم من خلال:
توحيد الربوبية: بإفراد الهداية لله تعالى:”إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء”(القصص: 56)
العبودية (التكوينية والتكليفية):وذلك باتخاذ مقتضى الهداية التكويني (الهداية التكوينية)، والتكليفي (الهداية التكلفية)ضوابط موضوعية مطلقة:”من يهد الله فهو المهتدي”( الأعراف: 178).
أما طبقا للاستخلاف كمنهج للمعرفة فان التفسير يهدف إلى اهتداء الإنسان إلي القواعد الموضوعية (من وضع الله تعالى لا عقل الإنسان) المطلقة (لا تخضع للتطور أو التغيير في المكان او المكان) التي تحدد كدحه إلى الله تعالى (تطوره المادي والروحي)ولا تلغيه فتكمله وتغنيه فتكون بمثابة ضمان موضوعي لاستمرار فاعليته، وذلك من خلال الاهتداء إلي القواعد التي تحدد نمط الفكر الذي يصوغ حلولها، والقواعد التي تحدد أسلوب العمل اللازم حلها. وعلى هذا الوجه يتم الربط بين التفسير والواقع الاجتماعي والمشاكل التي يطرحها،وهو ما قرره السلف والعلماء، يقول علي بن أبي طالب كرم الله وجهه (ذلك القرآن فاستنطقوه ولن ينطق ولكن أخبركم عنه إلا أن فيه علم ما يأتي، والحديث عن ما مضي، ودواء دائكم ،ونظم ما بينكم)([1])
أما طبقا للاستخلاف كنظرية للمعرفة فان التفسير يستند معرفيا إلى أن العلم كصفة إلوهية تظهر في عالم الشهادة من خلال شكلين:
تكويني:يتمثل في عالم الشهادة والسنن الإلهية التي تضبط حركته كمصدر للمعرفة والحواس والعقل كوسائل لمعرفته، وعالم الغيب كمصدر للمعرفة والوحي كوسيلة لمعرفته. ومضمون الاستخلاف هنا إظهار العلم الإلهي في الأرض وذلك بإفراد العلم المطلق لله واتخاذ صفة العلم
الإلهية مثل أعلى مطلق يسعى لتحقيقه في واقعه المحدود دون أن تتوافر له امكانيه التحقيق النهائي له ، وهو ما يتم باتخاذ مقتضى هذه الصفة كضوابط موضوعية مطلقة تحدد المعرفة الإنسانية ولا تلغيها.ويترتب على هذا أن هناك نوعان من الموضوعية: موضوعية تكوينية: تتمثل في أن للكون وجود مستقل عن العقل الإنساني وغيرمتوقف عليه .وموضوعية تكليفية: تتمثل في
الوحي ذو الوجود المستقل عن عقل الإنسان وغير متوقف عليه(لأنه وضع إلهي لا من وضع العقل الإنساني) وهي موضوعية مطلقة. والتفسير يمثل الذاتية، والنص القرآني يمثل (الموضوعية التكليفية) ،بينما الكون يمثل (الموضوعية التكوينية)، وبالتالي فإن الموضوعية التكليفية (النص) تمثل (المطلق)، والموضوعية التكوينية (الكون) والذاتية (التفسير) يمثلان المحدود، ولما كان المطلق يحدد المحدود ولا يلغيه فإن النص القرآني يحدد جدل المعرفة القائم على الانتقال من الموضوعي (فيحدد طرق معرفه المشكلة العينية) إلي الذاتي ( فيحدد طرق العلم بالحل المجرد لها ) إلي الموضوعي (الواقع) مرة أخرى من أجل تغييرها بالعمل فيحدد الاسلوب اللازم لحلها)، ولا يلغيه فيكون بمثابة ضمان لاستمرار فاعليته.
المحكم والمتشابه(الأصل والفرع):
يترتب على ما سبق أن غاية النص القرآني هداية الناس إلي ما فيه صالحهم في كل زمان بحكم أن الإسلام الرسالة الخاتمة “وما كان محمداً أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين” وكل مكان بحكم أن الإسلام رسالة لكل الناس “وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين”.
والنص القرانى يجمع بين كونه مطلق (وضعا وغاية)عن قيود الزمان والمكان غير خاضع للتطور أو التغير فيهما، ومراعاته التطور خلال الزمان و التغير في المكان ،وذلك بانقسامه إلى قسمين: القسم الأول هو ما أسماه المفسرين آيات الأصول أو الآيات المحكمات أو أم الكتاب ،
والقسم الثاني هو ما أطلقوا عليه اسم آيات الفروع أو الآيات المتشابهات قال تعالى: “هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات”،يقول ابن كثير في تفسير
قوله تعالى” هُنَّ أُمّ الْكِتَاب “: أَيْ أَصْله الَّذِي يُرْجَع إِلَيْهِ عِنْد الِاشْتِبَاه )([2])والقسم الأول يمثل المطلق والقسم الثاني يمثل المحدود ، وهذا التقسيم ينصب على الدلالة لا الوضع لان كلاهما وضع الهي وبالتالي مطلق.
حيث يمكن تقسيم النص القرانى :
من حيث وحده الدلالة أو تعددها (إمكان التاؤيل أو عدمه): ينقسم النص القرآني هنا إلي آيات ذات دلاله واحده لا تحتمل التأويل.وآيات ذات دلالات متعددة ،وبالتالي تحتمل التأويل،وفي تأويلها اختلف المسلمون ومازالوا يختلفون دون إثم. فالآيات الأولى هي الآيات المحكمة والثانية هي الآيات المتشابهة، ينقل السيوطى ( وقال الماوردى: المحكم ما لا يحتمل إلا وجها واحدا، والمتشابه بخلافه) ([3])
ثانياً: من حيث الغايات والوسائل:ينقسم النص القرآني هنا إلي آيات ذات دلاله قائمه بذاتها وآيات ذات دلاله قائمه بغيرها ينقل السيوطى(وقيل: المحكم ما استقل بنفسه، والمتشابه: ما لا يستقل بنفسه إلا برده إلى غيره)([4] ).فالآيات الأولىيمكن اعتبارها غايات تتحقق من خلالها هداية الناس في كل زمان ومكان،أما الآيات الثانية فيمكن اعتبارها وسائل للغايات السابقة ،ولما كانت الغايات تحدد أسلوب العمل اللازم لتحقيقها (الوسائل) فإن النوع الأول من الآيات يحدد النوع الثاني بحيث لا يمكن تفسير الأخيرة إلا استناداً إلي الأولى.
الحكمة وعلم اصول التفسير: فعلم اصول التفسير إذا هو فلسفه مناهج(طرق) معرفه دلالات (معانى) ألفاظ القران الكريم ،وهو يتناول أيضا قضيه حدود المعرفة الانسانيه من منظور اسلامى، وهو على هذا الوجه احد انماط الحكمة.

0 التعليقات:

إرسال تعليق